الأربعاء، 11 أبريل 2012

نظرة معاصرة في مصارف الزكاة - مقدمة وتمهيد




أنزل الله كتابه الكريم ليكون رحمةً للعالمين، وجاءت السنة النبوية المطهرة مكمّلة له ومفسّرة، فكان التشريع الاسلامي المعجز من لدن حكيمٍ عليم، وكان هذا الدستور الرباني الصالح لكل زمان ومكان في شتى مجالات الحياة ولو كره الكافرون.




ومما جاء في القرآن وفي التشريع الاسلامي فريضة الزكاة، وقد أجمل القرآن فيها في بعض المواضع وفصّل في أخرى، فكانت المقادير والأنصبة من نصيب السنة النبوية لتفصّل فيها وتحدّدها، وامّا مصارف الزكاة فقد خصّها القرآن بالذكر والتفصيل بقوله تعالى في سورة التوبة:


"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ"



وكان ختام الآية بقوله سبحانه



"وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"





والمتأمل في هذه الآية يجد عدة إشارات:



الأولى تدور حول أهمية مصارف الزكاة، وكيف أن الله –سبحانه وتعالى- جعل الاجتهاد فيها في أضيق نطاق حين فصّل فيها ولم يُجمِل، فكان لهؤلاء الأصناف الثمانية حقاً أصيلاً في أموال الزكاة، لا يحق لأحدٍ أن يمنع عنهم هذا الحق في كل زمانٍ ومكان.



والثانية تكمن في قوله تعالى "فريضةً من الله"، ولم ترد هذه الجملة في القرآن الا في موضعين، الأول في سورة النساء في آيات الفرائض والمواريث، والثاني في هذه الآية، وهو الأمر الذي يدل على حرص الاسلام الشديد على ضمان حقوق العباد المالية التي قد تضيع على مستحقيها لعدم قدرتهم المطالبة بها، وبمزيد من التأمل نجد أن هذه الحقوق تتميز عن بقية الحقوق المالية من أجرةٍ ودينٍ وتجارةٍ وغيرها، بأن مستحقيها لا يملكون من الاثباتات ما يكفيهم للمطالبة بحقوقهم، وأنهم لن يحصلوا على هذه الحقوق مالم يمكّن لهم صاحب المال أو القيّم عليه ويعطيه إيّاهم طواعيةً، فجاءت الآية مخاطبةً لمن بيده المال ومؤكدةً له: "فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ"، دون غيرها من الفرائض من صلاة وصيام وحج.



والإشارة الثالثة ختم الله بها الآية "وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"، مذكّراً إيانا بأنه هو العالم بما يصلح حالنا كأفراد ومجتمعات، وأنه ما فرض علينا هذه التقسيم دون غيره الا لحكمة ربانية، تكفل لنا الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وتساهم في تحقيق الرخاء والرفاهية للبشرية جمعاء، سواء عرفنا هذه الحكمة أم خفيت علينا.




وإذا كان المسلمون جميعاً، يعرفون الفقراء والمساكين ويدفعون جُلّ أموالهم لهم، فإن كثيراً من الفقهاء كانوا يرون بأن الزكاة لابدّ أن تُعطى للأصناف الثمانية جميعاً دون استثناء، ومنهم من جعل لكل صنف منهم سهماً مساوياً للأصناف الأخرى فلا يجوز إعطاء صنف أكثر من الآخر، ومنهم ن رأى أن الفرد لا تجزئه الزكاة ولا تسقط عنه مالم يعطي شيئاً –ولو يسيراً- لكل الأصناف ولو اضطر إلى أن يبحث عنهم خارج حدود وطنه، وبغض النظر عن صحة هذا الأقوال من عدمها، فإن ذلك يقودنا إلى حقيقة هامة وهي أن بعض الأصناف ظُلمت ظُلماً شديداً في عصرنا، وتم تغييبها –وإن بحسن نية-، رغم أن لها حقاً أصيلاً في المال، قدلا يقل عن حق باقي الأصناف، ومن هذه الأصناف: سهم المؤلفة قلوبهم، في الرقاب، والغارمين، وابن السبيل، وهل كانت الزكاة الا للفقراء والمساكين؟!!!



وفي هذه السلسلة، سأحاول أن أسلط الضوء على بعض هذه الأصناف المغيّبة، وبنظرة معاصرة، عسى الله أن يكتب لهذه الأمة أن تُعيد إحياء هذه الفريضة المنسيّة كما أوجبها علينا، وبالشكل المثالي الكامل الذي علم الله بحكمته أن فيه الخير لنا وللعالم أجمع، وذلك في محاولةً بسيطة لفتح آفاق جديدة للأفراد والحكومات في إخراج جزء من زكاة أموالهم للأصناف الأخرى جنباً إلى جنب مع الأصناف التقليدية.




نلتقي قريباً جداً في مدوّنة أخرى، وسهم المؤلفة قلوبهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق